التعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم

التعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم

رق حبيبي

اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى. إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم.[1] إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي.[2]

لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والتصوف والأدب والفن.[3] واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة فكان مظهر إعجاز لغتها القومية.[4]

وقال الجرجاني، للغة هي ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. واللغة هي الوسيلة المهمّة لتوحيد صفوف الأمّة الواحدة، وجمع كلمة أفرادها كما أنّها أداة لتعبير عمّا يفكّر به المرء. اللّغة ألة لعرض ينتجه العقل، وهي وسيلة التفاهم بين أفراد الجماعة الواحدة. فاللغة كثيرة وهي مختلفة من حيث اللّفظ والمعنى اللّذان يخالجان ضمائر الناس.[5]

وكان لاكتشاف اللغة السنسكريتية الهندية القديمة في أواخر القرن الثامن عشر أثر كبير في تطور الدراسات اللغوية في أوربا؛ ذلك أن البحث اللغوي الهندي كان يتميز بالدقة والاهتمام بالدراسات الوصفية، ويبتعد عن الجدل والفلسفة. [6] وقد تبين للغويين وجود أوجه شبه كبيرة بين السنسكريتية واللغات الأوربية، فدفعهم هذا إلى الاهتمام بالدراسة الوصفية والتاريخية والمقارنة للغات.[7]

تعرف كلّ لغة من اللغات البشریّة مجموعة من التعبیرات التي اصطلح عليها أصحابها. لتؤدّي دلالات مختلفة ترتبط بمواقف معیّنة. ونجد أن هذه الدلالات تخرج عن إطار المعنى الكلّي لمعاني مفردات التعبیر إلى معنى جدید اصطلح أصحاب اللغة عليها. وتعرف هذه التعبیرات في الدرس اللغوي بالتعبیرات الاصطلاحیة. ويعرف التعبير الاصطلاحي Idiomatic Expression بأنه نمط تعبيري خاص بلغة ما، يتميز بالثبات، ويتكون من كلمة أو أكثر، تحولت عن معناها الحرفي الى معنى مغاير اصطلحت عليه الجماعة اللغوية. [8]

وهذ التعبير يختلف عن التعبير السياقي Contextual Expression أي التعبيرات المركبة التي يتوقف فهم معناها على سياق تركيبها. [9]وهو ـ كما يقول أولمان ـ يجب أن يعالج ككل؛ حيث إنه ليس في مورفيماته ما يدل على المعنى الجديد، الذي يدل عليه التعبير ككل، وهو يختلف من لغة الى لغة. [10]وهذا بخلاف التعبير الاصطلاحي الذي يستمد معناه من المواضعة واصطلاح الجماعة اللغوية، كما يخضع لعرفية التعبير وهو شيء خارجي.[11] ولذا نجد يوجين أ. نيدا تطلق على التعبيرات الاصطلاحية تعابير خارجية المركز، بينما تطلق على التعابير السياقية تعابير داخلية المركز.[12] بالإضافة إلى ذلك، هناك تعبيرات اصطلاحية أخرى تستخدم في دراسة اللغة، مثل “التحويل الصرفي” و”التراكيب النحوية” و”الدلالة” و”التركيب الداخلي للكلمة”. تستخدم هذه التعبيرات لوصف ظواهر لغوية محددة وتسهيل فهمها ودراستها.

سورة القلم هي سورة من القرآن الكريم تحتوي على العديد من التعبيرات الإصطلاحية التي تضيف إلى معانيها وتفسيرها. تعتبر هذه التعبيرات جزءًا من الأسلوب البلاغي والأدبي في القرآن الكريم، وتستخدم لنقل المعاني بشكل أكثر قوة وإيصالها بطرق مبتكرة.

واحدة من التعبيرات الإصطلاحية المستخدمة في سورة القلم هي “وَإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم: 4)، والتي تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لديه أخلاق عظيمة ورفيعة. هذا التعبير يستخدم لتسليط الضوء على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأكيد فضيلته.

وأخرى من التعبيرات الاصطلاحية في سورة القلم هي “وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” (القلم: 11)، والتي تعني أن الله هو العزيز والرحيم. يتم استخدام هذا التعبير لإظهار قوة الله ورحمته في نفس الوقت. كما تحتوي سورة القلم على تعبيرات إصطلاحية أخرى مثل “إِنَّ رَبِّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ” (القلم: 7)، و “إِنَّ رَبِّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اضْطُرُّ مِنْكُمْ” (القلم: 8). هذه التعبيرات تستخدم لإظهار علم الله الشامل وقدرته على معرفة حال كل فرد وأفعاله.

تستخدم هذه التعبيرات الإصطلاحية في سورة القلم لإبراز بعض المفاهيم والأفكار المهمة في الإسلام، مثل أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوة الله، ورحمته، وعلمه الشامل. تتضمن سورة القلم أيضًا تعبيرات إصطلاحية أخرى مثل “وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً” (القلم: 33)، و “وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَسْفَارِ لَعِبْرَةً” (القلم: 48). هذه التعبيرات تستخدم لإظهار أهمية استخلاص العبر والدروس من آيات الله في خلقه وفي الكتب المقدسة. باختصار، سورة القلم تحتوي على عدة تعبيرات إصطلاحية تستخدم لنقل المعاني بشكل قوي وإبراز بعض المفاهيم المهمة في الإسلام. هذه التعبيرات تساهم في إثراء المضمون وجذب انتباه المستمعين والقراء.

مواقع التعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم كما يلى.

رقم

رقم أية

أية

1

1

نۤ ۚوَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُوْنَۙ

2

13

عُتُلٍّۢ بَعْدَ ذٰلِكَ زَنِيْمٍۙ

3

16

سَنَسِمُهٗ عَلَى الْخُرْطُوْمِ

4

17

اِنَّا بَلَوْنٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ اَصْحٰبَ الْجَنَّةِۚ اِذْ اَقْسَمُوْا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِيْنَۙ

5

20

فَاَصْبَحَتْ كَالصَّرِيْمِۙ

6

22

اَنِ اغْدُوْا عَلٰى حَرْثِكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰرِمِيْنَ

7

25

وَّغَدَوْا عَلٰى حَرْدٍ قٰدِرِيْنَ

8

31

قَالُوْا يٰوَيْلَنَآ اِنَّا كُنَّا طٰغِيْنَ

9

48

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوْتِۘ اِذْ نَادٰى وَهُوَ مَكْظُوْمٌۗ

10

51

وَاِنْ يَّكَادُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَيُزْلِقُوْنَكَ بِاَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُوْلُوْنَ اِنَّهٗ لَمَجْنُوْنٌ ۘ

 

ب)  معانى التعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم

معانى التعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم كما يلى

رقم

رقم أية

أية

معانى التعبيرات الاصطلاحية

1

1

نۤ ۚوَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُوْنَۙ

نون حرف من الحروف المقطعة، ذكر للتنبيه على إِعجاز القرآن. أقسم تعالى بالقلم الذي يكتب الناس به العلوم والمعارف، فإِن القلم أخو اللسان ونعمة من الرحمن على عباده[13]

2

13

عُتُلٍّۢ بَعْدَ ذٰلِكَ زَنِيْمٍۙ

الزنيمُ: الملصق بالقوم وليس منهم، وهو الدعيُّ الذي لا يعرف أبوه [14]

3

16

سَنَسِمُه عَلَى الْخُرْطُوْمِ

أي سنجعل له علامة على أنفه بالخطم عليه يعرف بها إِلى موته، وكنى بالخرطوم عن أنفه على سبيل الاستخفاف به، لأن الخرطوم للفيل والخنزير، فإِذا شبه أنف الإِنسان به كان ذلك غاية في الإِذلال والإِهانة كما يعبر عن شفاه الناس بالمشافر، وعن أيديهم وأرجلهم بالأظلاف والحوافر[15]

4

17

 

اِنَّا بَلَوْنٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ اَصْحٰبَ الْجَنَّةِۚ اِذْ اَقْسَمُوْا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِيْنَۙ

كَاللَّيْلِ الشَّدِيد الظُّلْمَة أَيْ سَوْدَاء.[16]

5

20

فَاَصْبَحَتْ كَالصَّرِيْمِۙ

أي فأصبحت كالزرع المحصود إِذا أصبح هشيماً يابساً قال ابن عباس: أصبحت كالرماد الأسود، قد حرموا خير جنتهم بذنبهم[17]

6

22

اَنِ اغْدُوْا عَلٰى حَرْثِكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰرِمِيْنَ

صرم الشيء قطعه، وصرم النخلة قطع ثمرها[18]

7

25

وَّغَدَوْا عَلٰى حَرْدٍ قٰدِرِيْنَ

أي ومضوا على قصد وقدرة في أنفسهم يظنون أنه تمكنوا من مرادهم قال ابن عباس: {على حَرْدٍ} على قدرة وقصد وقال السدي: على حنق وغضب وقال الحسن: على فاقة وحاجة،[19]

8

31

قَالُوْا يٰوَيْلَنَآ اِنَّا كُنَّا طٰغِيْنَ

وَالْمُرَادُ أَنَّهُمُ اسْتَعْظَمُوا جُرْمَهُمْ.[20]

9

48

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوْتِۘ اِذْ نَادٰى وَهُوَ مَكْظُوْمٌۗ

أي ولا تكن في الضجر والعجلة، كيونس بن متى عليه السلام، لما غضب على قومه لأنهم لم يؤمنوا فتركهم وركب البحر ثم التقمه الحوت، كان من أمره ما كان [21]

10

51

وَاِنْ يَّكَادُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَيُزْلِقُوْنَكَ بِاَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُوْلُوْنَ اِنَّهٗ لَمَجْنُوْنٌ ۘ

أي ولقد كاد الكفار من شدة عداوتهم لك يا محمد أن يصرعوك بأعينهم ويهلكوك، من قولهم نظر إلي نظراً كاد يصرعني قال ابن كثير: وفي الآية دليل على أن العين وإصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ [22]

 

ج) التحليل للتعبيرات الاصطلاحية فى سورة القلم.

سورة القلم هي سورة من القرآن الكريم تحتوي على العديد من التعبيرات الاصطلاحية التي تحمل معانٍ خاصة وتستخدم للإشارة إلى أفكار ومفاهيم محددة. سنقوم في هذا التحليل بتسليط الضوء على بعض هذه التعبيرات وشرح معانيها وأهميتها في سورة القلم.

  1. نۤ ۚوَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُوْنَۙ

تظهر هذه التعبيرات في بداية كل آية في سورة القلم، وتشير إلى نبذ المخاطب للأقوال الزائفة والافتراءات التي كانت تُلقى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل أعدائه. يُعتبر استخدام حرف “ن” المقطوعة في بداية كل آية رمزًا للنفي والرفض لهذه الأقوال، وإظهار عظمة وصدق رسالة النبي. (القلم): يشير هذا المصطلح في سورة القلم إلى أداة الكتابة والتعبير، ويُستخدم للإشارة إلى القوة والأهمية الكبيرة للعلم والتعليم في الإسلام. يُذكر في السورة قصة أصحاب الجنة وصاحب البستان، حيث يُظهر استخدام القلم لتوثيق المعرفة ونشرها للناس. يُعتبر “القلم” في سورة القلم رمزًا للعلم والتعليم، وضرورة نشر المعرفة والحفاظ عليها.

أَنَّ النُّونَ لَوْحٌ تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ مَا يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ بِهِ فِيهِ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ مَرْفُوعًا. وَالْقَوْلُ أَنَّ النُّونَ هُوَ الْمِدَادُ الَّذِي تَكْتُبُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ مُقْسَمًا بِهِ وَجَبَ إِنْ كَانَ جِنْسًا أَنْ نَجُرَّهُ وَنُنَوِّنَهُ، فَإِنَّ الْقَسَمَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ بِدَوَاةٍ مُنْكَرَةٍ أَوْ بِسَمَكَةٍ مُنْكَرَةٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَسَمَكَةٍ وَالْقَلَمِ، أَوْ قِيلَ: وَدَوَاةٍ وَالْقَلَمِ، وَإِنْ كَانَ عَلَمًا أَنْ نَصْرِفَهُ وَنَجُرَّهُ أَوْ لَا نَصْرِفَهُ وَنَفْتَحَهُ إِنْ جَعَلْنَاهُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ نُونَ هاهنا آخِرُ حُرُوفِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مِنَ الرَّحْمَنِ ن اسْمُ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الْحَرْفَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الِاسْمِ، وَالْمَقْصُودُ الْقَسَمُ بِتَمَامِ هَذَا الِاسْمِ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّ تَجْوِيزَهُ يَفْتَحُ بَابَ تُرَّهَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ، بَلِ الْحَقُّ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلسُّورَةِ أَوْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّحَدِّيَ أَوْ سَائِرَ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. [23].

وقد أقسم سبحانه بالقلم والكتب فتحا لباب التعليم بهما، ولا يقسم ربنا إلا بالأمور العظام فإذا أقسم بالشمس والقمر، والليل والفجر فإنما ذلك لعظمة الخلق وجمال الصنع، وإذا أقسم بالقلم والكتب فإنما ذاك ليعمّ العلم والعرفان، وبه تتهذب النفوس، وترقى شئوننا الاجتماعية والعمرانية، ونكون كما وصف الله «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ثم وعد رسوله بما سيكون له من جزيل الأجر على صبره على احتمال أذى المشركين، وأردف هذا بوصفه بحسن الخلق ورفقه بالناس امتثالا لأمره «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» قالت عائشة رضى الله عنها: كان خلقه القرآن.[24]

  1. عُتُلٍّۢ بَعْدَ ذٰلِكَ زَنِيْمٍۙ

اي دعي في قريش، أي يلحق بهم في النسب وليس منهم، وهو الوليد بن المغيرة، ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة، قال ابن عباس: لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العيوب، فألحق به عارا لا يفارقه أبدا. وقيل: هو الذي يعرف بالشر واللؤم.[25]  حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) قال: فاحش الخُلق، لئيم الضريبة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) قال: الحسن وقتادة: هو الفاحش اللئيم الضريبة. حدثني جعفر بن محمد البزوري، قال: ثنا أبو زكريا، وهو يحيى بن مصعب، عن عمر بن نافع، قال: سُئل عكرمة، عن (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) فقال: ذلك الكافر اللئيم. [26]

حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: ثنا يحيى، يعنى: ابن يمان، عن أبي الأشهب، عن الحسن في قوله: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) قال: الفاحش اللئيم الضريبة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: العتلّ، الزنيم: الفاحش اللئيم الضريبة. وقوله: (زَنِيمٍ) والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم؛ ومنه قول حسان بن ثابت: وأنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هاشِمٍ كمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ. وقال آخر: زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَن أبُوهُ بَغِيُّ الأمّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمِ. [27] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. عن ابن عباس (زَنِيمٍ) قال: والزنيم: الدعيّ، ويقال: الزنيم: رجل كانت به زنمة يُعرف بها، ويقال: هو الأخنس بن شَرِيق الثَّقَفِيّ حلِيف بني زُهْرة. وزعم ناس من بني زُهره أن الزنيم هو: الأسود بن عبد يغوث الزُّهريّ، وليس به. [28]

  1. سَنَسِمُهٗ عَلَى الْخُرْطُوْمِ

﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم﴾ سَنَجْعَلُ عَلَى أَنْفه عَلَامَة يُعَيَّر بِهَا مَا عَاشَ فَخُطِمَ أَنْفه بِالسَّيْفِ يوم بدر. [29] قال ابن عباس: سنخطمه بالسيف، فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش، فقاتل يوم بدر فخطم بالسيف في القتال. وقال النضر بن شميل: معناه سنحده على شربه الخمر، والخرطوم: الخمر، وجمعه خراطيم. [30] (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) أي سنجعل له سمة وعلامة على أنفه والمراد أنا سنبين أمره بيانا واضحا حتى لا يخفى على أحد كما لا يخفى ذو السمة على الخرطوم. وفى هذا إذلال ومهانة له، لأن السمة على الوجه شين، فما بالك بها فى أكرم موضع، وهو الأنف الذي هو مكان العزّة والحميّة والأنفة، ومن ثم قالوا: الأنف فى الأنف، وقالوا حمى أنفه، وقالوا: هو شامخ العرنين، وعلى عكسه قالوا فى الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه، قال جرير: لمّا وضعت على الفرزدق ميسمى …وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل [31]

وفى التعبير بلفظ (الخرطوم) استخفاف به، لأنه لا يستعمل إلا فى الفيل والخنزير، وفى استعمال أعضاء الحيوان للانسان كالمشفر للشفة، والظّلف للقدم دلالة على التحقير كما لا يخفى. والخلاصة- سنذله فى الدنيا غاية الإذلال، ونجعله ممقوتا مذموما مشهورا بالشر، ونسمه يوم القيامة على أنفه، ليعرف بذلك كفره وانحطاط قدره.[32]

  1. اِنَّا بَلَوْنٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ اَصْحٰبَ الْجَنَّةِۚ اِذْ اَقْسَمُوْا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِيْنَۙ

هي (صاحب البستان): تظهر هذه التعبيرات في سورة القلم لوصف قصة أصحاب الجنة وصاحب البستان. تُستخدم هذه التعبيرات لإظهار فوارق المجتمع واختلاف طبائع الناس في استخدام ثرواتهم. يُذكر في السورة كيف أن أصحاب الجنة كانوا يتباهون بثرواتهم ويتكبرون على غيرهم، بينما صاحب البستان كان متواضعًا ومنفتحًا على الآخرين. تُعبر هذه التعبيرات عن قيمة التواضع والتسامح في الإسلام، وتحث على تقدير النعم ومشاركتها مع الآخرين.

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: لِأَجْلِ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ، جَحَدَ وَكَفَرَ وَعَصَى وَتَمَرَّدَ، وَكَانَ هَذَا اسْتِفْهَامًا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَاهُ الْمَالَ وَالْبَنِينَ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ، وَلِيَصْرِفَهُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَلِيُوَاظِبَ عَلَى شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقْطَعُ عَنْهُ تِلْكَ النِّعَمَ، وَيَصُبُّ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الْبَلَاءِ وَالْآفَاتِ فَقَالَ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَيْ كَلَّفْنَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَشْكُرُوا عَلَى النِّعَمِ، كَمَا كَلَّفْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ذَاتِ الثِّمَارِ، أَنْ يَشْكُرُوا وَيُعْطُوا الْفُقَرَاءَ حُقُوقَهُمْ، رُوِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ ثَقِيفٍ وَكَانَ مُسْلِمًا، كَانَ يَمْلِكُ ضَيْعَةً فِيهَا نَخْلٌ وَزَرْعٌ بِقُرْبِ صَنْعَاءَ، وَكَانَ يَجْعَلُ مِنْ كُلِّ مَا فِيهَا عِنْدَ الْحَصَادِ نَصِيبًا وَافِرًا لِلْفُقَرَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ وَرِثَهَا مِنْهُ بَنُوهُ، ثُمَّ قَالُوا: عِيَالُنَا كَثِيرٌ، وَالْمَالُ قَلِيلٌ، وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُعْطِيَ الْمَسَاكِينَ، مِثْلَ مَا كَانَ يَفْعَلُ أَبُونَا، فَأَحْرَقَ اللَّهُ جَنَّتَهُمْ.[33]

وَقِيلَ: كَانُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَوْلُهُ: إِذْ أَقْسَمُوا إِذْ حَلَفُوا: لَيَصْرِمُنَّها لَيَقْطَعَنَّ ثَمَرَ نَخِيلِهِمْ مُصْبِحِينَ، أَيْ فِي وَقْتِ الصَّبَاحِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ اغْدُوا سِرًّا إِلَى جَنَّتِكُمْ، فَاصْرِمُوهَا، وَلَا تُخْبِرُوا الْمَسَاكِينَ، وَكَانَ أَبُوهُمْ يُخْبِرُ الْمَسَاكِينَ، فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صِرَامِ جَنَّتِهِمْ، يُقَالُ: قَدْ صَرَمَ الْعِذْقَ عَنِ النَّخْلَةِ، وَأَصْرَمَ النَّخْلُ إِذَا حَانَ وَقْتُ صِرَامِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلا يَسْتَثْنُونَ يَعْنِي وَلَمْ يَقُولُوا: إِنْ شَاءَ/ اللَّهُ، هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْمُفَسِّرِينَ، يُقَالُ: حَلَفَ فُلَانٌ يَمِينًا لَيْسَ فِيهَا ثُنْيَا وَلَا ثَنْوَى، وَلَا ثَنِيَّةٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءٌ وَكُلُّهُ وَاحِدٌ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ مِنَ الثَّنْيِ وَهُوَ الْكَفُّ وَالرَّدُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ غَيْرَهُ، فَقَدْ رَدَّ انْعِقَادَ ذَلِكَ الْيَمِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: وَلا يَسْتَثْنُونَ فَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنُوا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَالْوَاثِقِينَ بِأَنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَصْرِمُونَ كُلَّ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَدْفَعُهُ أَبُوهُمْ إِلَى المساكين.[34]

  1. فَاَصْبَحَتْ كَالصَّرِيْمِۙ

﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ كَاللَّيْلِ الشَّدِيد الظُّلْمَة أَيْ سَوْدَاء.[35] ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ كالشيء المصروم، وهو فعيل بمعنى مفعول، مثل عين كحيل، وكف خضيب، ولحية دهين، أي عين مكحولة، وكفّ مخضوبة، ولحية مدهونة. ﴿كَالصَّرِيمِ﴾ كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء، أو كالليل في السواد بعد أن احترقت، أي سوداء.[36] وقوله: (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) اختلف أهل التأويل في الذي عُني بالصريم، فقال بعضهم: عني به الليل الأسود، وقال بعضهم: معنى ذلك: فأصبحت جنّتهم محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم.
* ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا شيخ لنا عن شيخ من كلب يقال له: سليمان عن ابن عباس، في قوله: (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قال: الصَّرِيم: الليل. [37]

  1. اَنِ اغْدُوْا عَلٰى حَرْثِكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰرِمِيْنَ

﴿إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ مريدين قطع ثماره، وجواب الشرط دل عليه ما قبله. ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ أي فنادى بعضهم بعضا وقت الصباح، ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع: أن اخرجوا مبكرين في الصباح إلى الثمار والزرع، إن كنتم قاصدين للصرام أي القطع. قال مجاهد:كان حرثهم عنبا. [38]

قَالَ: صَارِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا قَطْعَ الثِّمَارِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْجَارِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ/ يَقُلِ اغْدُوا إِلَى حَرْثِكُمْ، وَمَا مَعْنَى عَلَى؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ الْغُدُوُّ إِلَيْهِ لِيَصْرِمُوهُ وَيَقْطَعُوهُ كَانَ غُدُوًّا عَلَيْهِ كَمَا تقول: غدا عليهم العدو، ويجوز أن يضمن الْغُدُوَّ مَعْنَى الْإِقْبَالِ، كَقَوْلِهِمْ: يُغْدَى عَلَيْهِمْ بِالْجَفْنَةِ ويراح، أي فأقبلوا على حرثكم باكرين.[39]

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ. أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) أي فنادى بعضهم بعضا هلمّوا واذهبوا غدوة لقطع ثمار بستانكم إن كنتم فاعلين.
وقد أحكموا التدبير وأخفوا الأمر جدّ الخفية حتى لا يتسمع لهم أحد.[40]

  1. وَّغَدَوْا عَلٰى حَرْدٍ قٰدِرِيْنَ

وَفِيهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: الْحَرْدُ الْمَنْعُ يُقَالُ: حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا قَلَّ مَطَرُهَا وَمَنَعَتْ رِيعَهَا، وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا مَنَعَتْ لَبَنَهَا فَقَلَّ اللَّبَنُ، وَالْحَرْدُ الْغَضَبُ، وَهُمَا لُغَتَانِ الْحَرَدُ وَالْحَرْدُ وَالتَّحْرِيكُ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْغَضَبُ بِالْحَرْدِ لِأَنَّهُ كَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَغْضُوبُ مِنْهُ فِي الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى وَغَدَوْا وَكَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ قَادِرِينَ عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ الثَّانِي: قِيلَ: الْحَرْدُ الْقَصْدُ وَالسُّرْعَةُ، يُقَالُ: حَرَدْتُ حَرْدَكَ قَالَ الشَّاعِرُ: أَقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهْ … يَحْرِدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّهْ. وَقَطًا حِرَادٌ أَيْ سِرَاعٌ، يَعْنِي وَغَدَوْا قَاصِدِينَ إِلَى جَنَّتِهِمْ بِسُرْعَةٍ وَنَشَاطٍ قَادِرِينَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَقْدِرُ عَلَى صِرَامِهَا، وَمَنْعِ مَنْفَعَتِهَا عَنِ الْمَسَاكِينِ وَالثَّالِثُ: قِيلَ: حَرْدٌ عَلَمٌ لِتِلْكَ الْجَنَّةِ أَيْ غَدَوْا عَلَى تِلْكَ الْجَنَّةِ قَادِرِينَ عَلَى صِرَامِهَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُقَدِّرِينَ أَنْ يَتِمَّ لهم مرادهم من الصرام والحرمان.[41]

  1. قَالُوْا يٰوَيْلَنَآ اِنَّا كُنَّا طٰغِيْنَ

يشير هذا المصطلح في سورة القلم إلى الأنظمة والأفراد الذين يتجاوزون حدود الله ويدعون للعبادة والانقياد لغيره من الأصنام أو الأفكار. يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الظلم والجور والاستبداد، وضرورة مقاومة هذه القوى المظلمة والالتزام بالحق والعدل. وفى منعنا حق الفقراء، وتركنا الاستثناء. وقال ابن كيسان: يعني طغينا نعم ربنا، فلم نشكرها، ولم نصنع ما صنع آباؤنا. [42]

  1. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوْتِۘ اِذْ نَادٰى وَهُوَ مَكْظُوْمٌۗ

[في قوله تعالي فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَزْيِيفِ طَرِيقَةِ الْكُفَّارِ وَفِي زَجْرِهِمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ قال لمحمد: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فِي إِمْهَالِهِمْ وَتَأْخِيرِ نَصْرَتِكَ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فِي أَنْ أَوْجَبَ عَلَيْكَ التَّبْلِيغَ وَالْوَحْيَ وَأَدَاءَ الرِّسَالَةِ، وَتَحَمَّلْ مَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى وَالْمِحْنَةِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْعَامِلُ فِي إِذْ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَصاحِبِ الْحُوتِ يُرِيدُ لَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ حَالَ نِدَائِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مَكْظُومًا فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَكُنْ مَكْظُومًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: صَاحِبُ الْحُوتِ يُونُسُ ، إِذْ نَادَى فِي بَطْنِ الْحُوتِ بِقَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧]، وَهُوَ مَكْظُومٌ مَمْلُوءٌ غَيْظًا مِنْ كَظَمَ السِّقَاءَ إِذَا مَلَأَهُ، وَالْمَعْنَى لَا يُوجَدُ مِنْكَ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنَ الضَّجَرِ وَالْمُغَاضَبَةِ، فَتَبْلَى ببلائه. [43]

  1. وَاِنْ يَّكَادُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَيُزْلِقُوْنَكَ بِاَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُوْلُوْنَ اِنَّهٗ لَمَجْنُوْنٌ ۘ

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ عَلَمُهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ: لَيُزْلِقُونَكَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا، وَزَلَقَهُ وَأَزْلَقَهُ بِمَعْنًى وَيُقَالُ: زَلَقَ/ الرَّأْسَ وَأَزْلَقَهُ حَلَقَهُ، وَقُرِئَ لَيُزْهِقُونَكَ مِنْ زَهَقَتْ نَفْسُهُ وَأَزْهَقَهَا، ثُمَّ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ تَحْدِيقِهِمْ وَنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ شَزْرًا بِعُيُونِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ يَكَادُونَ يُزِلُّونَ قَدَمَكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَظَرَ إِلَيَّ نَظَرًا يَكَادُ يَصْرَعُنِي، وَيَكَادُ يَأْكُلُنِي، أَيْ لَوْ أَمْكَنَهُ بِنَظَرِهِ الصَّرْعُ أَوِ الْأَكْلُ لَفَعَلَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ: يَتَقَارَضُونَ إِذَا الْتَقَوْا فِي مَوْطِنٍ … نَظَرًا يزل مَوَاطِئَ الْأَقْدَامِ وَأَنْشَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا مَرَّ بِأَقْوَامٍ حَدَّدُوا النَّظَرَ إِلَيْهِ: نَظَرُوا إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ مُحَمَّرَةٍ … نَظَرَ التُّيُوسِ إِلَى شِفَارِ الْجَازِرِ.

وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا النَّظَرَ كَانَ يَشْتَدُّ مِنْهُمْ فِي حَالِ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ، لِلْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ الثَّانِي: مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، وهاهنا مَقَامَانِ أَحَدُهُمَا: الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ، هَلْ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ الثَّانِي: أَنَّ بِتَقْدِيرِ كونها صحيحة، فهل الآية هاهنا مُفَسَّرَةٌ بِهَا أَمْ لَا؟.

الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تَأْثِيرُ الْجِسْمِ فِي الْجِسْمِ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُمَاسَّةِ، وهاهنا لَا مُمَاسَّةَ، فَامْتَنَعَ حُصُولُ التَّأْثِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنِ النَّفْسِ أَوْ عَنِ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْتَنِعِ اخْتِلَافُ النُّفُوسِ فِي جَوَاهِرِهَا وَمَاهِيَّاتِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا اخْتِلَافُهَا فِي لَوَازِمِهَا وَآثَارِهَا، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ النُّفُوسِ خَاصِّيَّةٌ فِي التَّأْثِيرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِزَاجُ إِنْسَانٍ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ خَاصٌّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاحْتِمَالُ الْعَقْلِيُّ قَائِمٌ، وَلَيْسَ فِي بُطْلَانِهِ شُبْهَةٌ فَضْلًا عَنْ حُجَّةٍ، وَالدَّلَائِلُ السَّمْعِيَّةُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، كَمَا يُرْوَى أَنَّهُ. قَالَ: (الْعَيْنُ حَقٌّ) وَقَالَ: «الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» .

وَالْمَقَامُ الثَّانِي: مِنَ النَّاسِ مَنْ فَسَّرَ الْآيَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا: كَانَتِ الْعَيْنُ فِي بَنِي أَسَدٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَتَجَوَّعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يَمُرُّ بِهِ شَيْءٌ، فَيَقُولُ فِيهِ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مِثْلَهُ إِلَّا عَانَهُ، فَالْتَمَسَ الْكُفَّارُ مِنْ بَعْضِ مَنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ أَنْ يَقُولَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ذَلِكَ، فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَعَنَ الْجُبَّائِيُّ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ وَقَالَ: الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ تَنْشَأُ عَنِ اسْتِحْسَانِ الشَّيْءِ، وَالْقَوْمُ مَا كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الرَّسُولِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بَلْ كَانُوا يَمْقُتُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ، وَالنَّظَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ مِنْ حَيْثُ الدِّينِ لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ فَصَاحَتَهُ، وَإِيرَادَهُ لِلدَّلَائِلِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: دَوَاءُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ قراءة هذه الآية.[44]

ويمكن القول إن سورة القلم تحتوي على تعبيرات اصطلاحية مهمة تساهم في نقل المفاهيم والأفكار المرادة في السورة. تُستخدم هذه التعبيرات لتوضيح القيم والمبادئ الإسلامية وتحث على التواضع والتسامح والعدل. يُشير استخدام هذه التعبيرات إلى أهمية التفكير العميق والتأمل في معاني القرآن الكريم والتطبيق العملي لتعاليمه.

 

 

[1]  ابن الفارس، مقاييس  اللغة، (لبنان: دار كتب العلمية، 2000)، ص. 24

[2]  عبد العزيز علي الحربي، البلاغة الميسرة، (لبنان: دار ابن حزم، 2000)، ص. 34

[3]  أبو المنذر سلمة بن مسلم بن إبراهيم الصحاري العوتبي، الإبانة في اللغة العربية، (لبنان، دار الوفى، 2001)، ص. 6

[4]  عبد العزيز علي الحربي، البلاغة الميسرة، (لبنان: دار ابن حزم، 2000)، ص. 34

[5]  الإمام الجرجاني، التعريفات، (لبنان: دار ابن حزم، 2000)، ص. 337

[6] محمد بن إبراهيم الحمد، فقه اللغة: مفهومه – موضوعاته – قضاياه، (لبنان: دار كتب العلمية، 2010)، ص.3

[7]  النادري، فقه اللغة، (لبنان: دار الفكر، 2001)، ص. 5

[8]  كريم زكي حسام الدين: التعبير الاصطلاحي، مكتبة الأنجلو المصرية، ط.1 (1405هـ-1985م) ص17، 34

[9]  كريم زكي حسام الدين: التعبير الاصطلاحي، (مكتبة الأنجلو المصرية، ط.11405هـ-1985م) ص17، 34

[10]   أحمد أبو سعد: معجم التراكيب والعبارات الاصطلاحية، ط1، (بيروت 1987م) ص 5.

[11]   ماريو باي: أسس علم اللغة، ترجمة: د.أحمد مختار عمر، (منشورات جامعة طرابلس 1973م) ص144

[12]  د.كريم زكي حسام الدين: التعبير الاصطلاحي، ص78.

[13] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 321

[14] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 321

[15] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 321

[16]  جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ، تفسير الجلالين.  دار الحديث – القاهرة، ص. 332

[17] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 321

[18]  محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 322

[19] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 322

[20]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 521

[21] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 322

[22] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهر. ص. 322

[23]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 521

[24]   أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، ص. 332

[25] وهبة الزحيلي،  التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر (دمشق – سورية)، دار الفكر المعاصر (بيروت – لبنان)، ص. 112

[26]  أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار التربية والتراث – مكة المكرمة، ص. 443

[27] أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار التربية والتراث – مكة المكرمة، ص. 443

[28] أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار التربية والتراث – مكة المكرمة، ص. 443

[29] جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ، تفسير الجلالين.  دار الحديث – القاهرة، ص. 332

[30]  أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، دار التفسير، جدة – المملكة العربية السعودية، ص. 332

[31] أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، ص. 332

[32]  أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، ص. 332

[33]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 522

[34]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 522

[35] جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ، تفسير الجلالين.  دار الحديث – القاهرة، ص. 332

[36]  وهبة الزحيلي،  التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر (دمشق – سورية)، دار الفكر المعاصر (بيروت – لبنان)، ص. 112

[37]  أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار التربية والتراث – مكة المكرمة، ص. 443

[38]  وهبة الزحيلي،  التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر (دمشق – سورية)، دار الفكر المعاصر (بيروت – لبنان)، ص. 112

[39]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 522

[40]  أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، ص. 332

 

[41] أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 523

[42]  أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، دار التفسير، جدة – المملكة العربية السعودية، ص. 332

[43]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 523

[44]  أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص. 522

Tinggalkan Komentar

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *

Scroll to Top